كتب فريق الجارديان أن الغارة الإسرائيلية على خيمة قرب مستشفى الشفاء في غزة في 10 أغسطس أودت بحياة ستة من العاملين في الإعلام، بينهم أربعة من صحفيي قناة الجزيرة. هذه ليست مجرد أرقام في تقارير الحرب، بل حكايات بشرية لصحفيين حملوا رسالة غزة إلى العالم ودفعوا حياتهم ثمنًا لذلك.
يبدأ محمد الخالدي قصته عن شقيقه محمد الذي اغتالته الغارة قبل أيام من بلوغه السابعة والثلاثين. يصفه بأنه صحفي بارع وطيب القلب، اختار ألا يتزوج بسبب قسوة الظروف. درس اللغة العربية والإعلام في جامعة الأزهر، وبدأ مسيرته عام 2010 رافضًا دائمًا تصوير الأشلاء أو صرخات الضحايا، إذ كان قلبه لا يحتمل. عمل في دنيا الوطن ثم انطلق نحو الصحافة الاستقصائية، وحصل عام 2019 على جائزة من ائتلاف "أمان" عن تحقيق حول البطالة. رغم قلة المال، واصل عمله، اقترض لإنتاج قصص إنسانية، وشارك في منصة "مسبار" لمكافحة الأخبار الكاذبة. حلم بالسفر وتطوير محتواه، لكنه بقي في غزة بعد منع الاحتلال دخول الصحفيين الدوليين، ليكون صوت شعبه، يصوّر الأطفال الجائعين ويسعى لإيصال المساعدات لهم عبر منصاته. في خيمة الصحفيين قرب الشفاء عاش آخر أيامه، متمسكًا برسالته حتى استشهد.
أما أنس الشريف، ابن الثامنة والعشرين، فيروي شقيقه محمود كيف كان أصغر الأبناء المدللين عند أمه، وكيف واصل عمله رغم تهديدات الاحتلال. أنس لم يعرف السفر يومًا، حلم فقط بأن يزور مصر وقطر والسعودية لأداء العمرة والحج. حمل صوته من غزة إلى العالم، بكى على الهواء لمشهد الأطفال الجائعين، وواجه التهديدات دون أن يتراجع. حصل على وظيفة مراسل مع الجزيرة بعد أن نجح في إيصال صور من قلب الحصار، وظل وفيًا لرسالته حتى بعد مقتل والده في قصف إسرائيلي. رثى أصدقاءه وزملاءه الذين سقطوا قبله، وحاول إنقاذ المصور فادي الوهيدي بعد إصابته بالشلل. وقبل ساعات من استشهاده، تحدث مع أسرته عن الغزو الوشيك ورفض التهجير، مفضّلًا البقاء حتى الموت.
في شهادة إبراهيم النوفل عن شقيقه محمد، المصور في الجزيرة، تبرز ملامح الحزن العميق. استشهد محمد في العاشر من أغسطس، بعد أن فقد أمه وأخاه الأكبر خلال الحرب. كان شابًا محبًا للحياة، يعشق الزراعة والطهي، ويخطط للزواج. أصيب بجروح خطيرة في قصف سابق لكنه عاد لمواصلة عمله بجانب زميله أنس. حين طلب منه إبراهيم أن ينام في الخيمة، رفض قائلًا: "لا أريد أن يفقد أبي ابنين في يوم واحد". بعد ساعات قُتل محمد مع رفاقه. وصف إبراهيم اللحظة بأنها الأشد إيلامًا في حياته، إذ اضطر لوضع جثمان شقيقه في ثلاجة الموتى بنفسه، ثم دفنه في اليوم التالي.
أما محمد قريقع، ابن الثالثة والثلاثين، فحكايته يرويها قريبه فايز. عاش يتيم الأب منذ طفولته، وكرّس حياته لأمه التي فقدها خلال حصار الشفاء بعد أن عثر عليها ميتة في أحد السلالم. فقدانه إياها دمّر نفسيته، خاصة مع نزوح زوجته وطفليه إلى الجنوب. رغم ذلك استمر بالعمل صحفيًا مستقلًا حتى انضم رسميًا إلى الجزيرة بعد اغتيال زميله إسماعيل الغول. كان معروفًا بخفة ظله وحرصه على مساعدة الآخرين. وفي الليلة التي قُتل فيها، كان يستعد لمغادرة خيمة الصحفيين حين سقط الصاروخ الإسرائيلي، لينهي حياته على الفور.
تكشف هذه الشهادات أن الصحفيين الأربعة لم يكونوا فقط ناقلين للخبر بل أبناء، إخوة وآباء، عاشوا النزوح والجوع مثل بقية أهل غزة، لكنهم أصروا على أن يوثقوا المأساة بأصواتهم وعدساتهم. الجارديان تنقل أن جنازاتهم تحولت إلى رمز لفقدان غزة لأصوات بارزة كانت توثق معاناة شعبها، وأن استهدافهم ليس مجرد خسارة شخصية بل محاولة متعمدة لإسكات صوت الحقيقة.
في النهاية، تترك قصص محمد وأنس ومحمدين رسالة واحدة: الصحافة في غزة ليست مهنة عابرة، بل فعل مقاومة إنسانية. هؤلاء الشباب حلموا بالسفر، بالتعليم، بالحياة البسيطة، لكنهم قُتلوا لأنهم أصروا على أن يظلوا شهودًا على ما يحدث.
https://www.theguardian.com/global-development/2025/sep/01/israel-gaza-war-targeted-palestinian-journalists-human-stories-families